-A +A
عبدالله بن بجاد العتيبي
حين يفتي مفتٍ ما بأن الاختلاط حرام، ويزيد بأن من يقول بإباحته كافر، فإن البعض يصدقه، ولكن حين يعود ذات المفتي ليختلط ما شاء له الاختلاط بفتيات وصبايا ونساء بعد فتواه بأيام قليلة، فهذا ما يثير الاشمئزاز لدى المتابع والسخط لدى عامة الناس.
حين يفتي مفتٍ ما بأن الذهاب إلى القدس حرام، ويزيد بأن المسلمين لن يدخلوا القدس إلا فاتحين، فإن البعض يصدقه، ولكن حين نعود لذات المفتي نجد أنه يقول لمشاهديه إنه سيبث الحلقة القادمة من برنامجه من القدس، ولكن بمعنى خفي لا يدركه إلا هو وحده، يعلم المراقب أنه مجرد طالب إثارة، ويشعر العامة بأنه يخادعهم ويلعب على عواطفهم.
حين يفتي مفتٍ ما بأن علينا هدم المسجد الحرام ــ لا الكعبة ــ لأجل أن نمنع الاختلاط الذي مارسه مفتٍ مثله خارج المسجد الحرام، ويمارسه عامة المسلمين من عصر الرسالة وحتى اليوم، فإن البعض يصدقه، ولكن حين ندرس التاريخ ونقرأ الواقع نعرف أن اقتراحه هذا لا يعدو أن يكون مزايدة حمقاء لدى المتابع، وهو في الوقت ذاته مزعج للعامة ولمشاعرهم وإيمانهم، ثم إنه قبل هذا وذاك مخالف للتاريخ ومصادم للواقع، ما يؤكد للجميع أننا بحاجة لردعه وأمثاله عما اقترفت شفتاه ولرده عما اجترح وما اقترح، وقد كبرت كلمة خرجت من فمه.
هذه النوعية من المفتين يجب على الدولة والمجتمع لجمها وإيقافها عند حدها، فهي لا تعدو أن تكون جوقة تردد ما لا يستساغ وتكرر ما لا يفهم وتثير ما لا يجب.
إننا حين ننتقد هذه الشريحة المجتمعية المتمثلة بأمثال هؤلاء الذين يزعمون أنهم ممثلو الدين والمحتمون بالشريعة والداعون إلى الفضيلة وحراس العقيدة، فإنما ننتقد شطحاتهم التي أصبحت بلا حساب ونزواتهم التي صارت بلا قياس.
ربما من حقنا هنا أن نستذكر كلمة أطلقها مؤرخ مسلم هو ابن عساكر، وذلك حين قال: «لحوم العلماء مسمومة»، وللتاريخ فقد كان يقصد بها علماء الأشاعرة، ولكننا اليوم نجد الكثيرين يرددونها ليحجبوا النقد عن أطروحاتهم الهزيلة والمريرة، ومواقف بعضهم لا لشيء إلا ليظهروا وكأنهم غير بقية عباد الله البسطاء أولئك المؤمنين بلا جبر، والمسلمين بلا غاية غير اليقين والإخلاص.
لقد توارد على نقل وترويج العبارة السابقة «لحوم العلماء مسمومة» جمع من جماعات الإسلام السياسي تبعا لرموزهم الذين ارتضوا، واقتفاء لآثار أصحاب هذه الرؤى جهالة من البعض وخبثا من البعض الآخر.
والسؤال هنا، هل لحوم العلماء مسمومة ولحوم بقية المجتمع كلأ مباح؟ بمعنى هل يحق لنا أن نتناول بالنقد كافة شرائح المجتمع دون من يسمون أنفسهم برجال الدين أو بالدعاة؟
أحلال عليهم أن يتناولوا لحومنا، وحرام علينا أن نتناول لحومهم! وصدق شوقي حين قال:
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس
Bjad33@gmail.com


للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 250 مسافة ثم الرسالة